الأربعاء، 21 أغسطس 2024

 كيف نفرق التخذيل والإرجاف من التوصيف الصادق للواقع كما هو؟

- التخذيل والإرجاف ليس له علاقة مباشرة بصدق المعلومة أو كذبها؛ بل متعلق بإظهار المعلومة أو إخفاءها.

- فالمعلومة الصادقة التي ستؤثر معنويا بالسلب في المجاهدين أولا ثم المسلمين عامةً، يجب كتمها. والمعلومة الراجح صدقها إن كانت ستؤثر معنويا بالإيجاب في المجاهدين يمكن ترجيح صدقها ونشرها.

- وعليه من المغالطة أن يتساءل المرء: ماذا عليَّ وأنا أقول الصدق لا غير - فهذا لا علاقة له بالحكم الشرعي للتخذيل والإرجاف والاصطلاح / إنما تساؤل المرء يكون: هل هذا ينفع المقاومة ضد اليهود عمليا ومعنويا؟ أم يؤثر فيهم سلبا؟ ولا يكتفي برأي نفسه، فالقلوب تختلف وتتفاوت، إنما يستشير من حوله من الثقات وأهل العلم. وإن شك أن ما يقوله قد يؤثر سلبا، فالواجب عليه كتم كلامه هذا.

- وإن قال بعض الباحثين في الشؤون السياسية والعسكرية: وماذا نفعل إن كان عملنا هو تقديم التحليل السياسي أو العسكري للوضع؟ نقول: أنتم مسلمون أولا قبل أن تكونوا محللين، ويجب عليكم كتم ما يُخذِّل ويُرجِف قلوب المؤمنين.

- هذا وقد بيَّن اليهود مرارا أن مسعاهم المستقبلي لغزة تبديل دين أهلها لدين صهيوني، تحت شعار تعليم التسامح وما إلى ذلك من خرافات الليبرالية، ومثل هذا يجعل جهاد الدفع ولو فني المجاهدون كافةً واجبا فوق وجوبه الأصلي، إذ ليس البديل الاستسلام العسكري والاحتلال مع ترك الدين لا يمس، بل البديل تغيير دين الناس ونشر الصهيونية فيهم.

- وعليه يجب الالتزام بالخطاب الذي ينشره المقاومون في غزة، مع إعذارهم وعدم اتباعهم فيما يتعلق بمسألة الشيعة أو غيرهم ممن يناصرون جهادهم.

- أما من يسمح بطعن المقاومة في هذا الوقت تحديدا، وهم يخوضون جهادا نادر الشراسة في تاريخ أمة المسلمين، وقد خرجوا نصرة للقدس والأقصى، فإنسان مطعون في دينه ونيته.

- وكذا نقول للإخوة الذين ينشرون المبالغات عن الانتصارات الساحقة وتحديد مواعيد النصر، أن يتقوا الله ولا يعينوا المخذلين والمرجفين بالخرافات التي لا دليل عليها أيضا.

والله الناصر الكافي، 

 


في سؤال عن الدولة الحديثة، وما الإشكال في نقدها؟

سُئلتُ عن حديثي الدائم في موضوع خطر تعميم النقد اليساري للدولة الموصوفة بالحديثة، فأجبت:

- بشكل عام: نقد الدولة وسلطتها له منظومتان كبيرتان: 

- الليبرالية الكلاسيكية: الدولة حارسة لا تتدخل في حريات الأفراد، ضرورية وهامة لحفظ القواعد والقوانين العامة، لكن لا أكثر من ذلك. 

- والاشتراكية بكافة توجهاتها، من فوضوية إلى ماركسية ستالينية: الدولة هي شر أصلا، إما يجب التخلص منه فورا: الأناركية، أو مستقبلا بعد مرحلة تمهيدية: الماركسية اللينينية.

- لماذا هي شر؟ لإن الدولة تتدخل في الحياة الفردية للبشر (في حالة الليبرالية)، أو في الحياة الجماعية (في حالة الاشتراكية)، وتُسيِّر الكل لتحقيق مصالح النخب.

- النموذج المثالي في الاشتراكية أكثر وضوحا من الليبرالية: لا دولة.. مجتمعات تتشارك بإرادتها الحرة وتتعامل بود دون أي سلطة من نخبة أو إنسان على الآخر.

- هناك توجهات كالشيوعية الغربية (ويُمكن نسبة المدرسة النقدية لها) تمزج النقد الماركسي للدولة بنقد ليبرالي فرداني، جمعوا أفضل ما في الليبرالية والماركسية من وجهة نظرهم.

- هم يرفضون الدولة (خاصة القومية الحديثة أو الليبرالية) ويعتبرونها حادثا تاريخيا ونموذجا مستحدثا لحفظ مصالح النخب الفاسدة، مع أدوات أشرس وألعن بكثير، وينهمكون في (فضح) هذه الدولة (الغربية) بكل صورها المصنوعة لخدمة النخب الرأسمالية، وكذلك فضح الدولة الشيوعية الستالينية، المسيح الدجال الزائف عند الاشتراكيين، التي باسم الشيوعية رسخت الاستبداد والقهر والطغيان فقاتلت الحقوق الفردية.

- فالتوجهات النقدية هي ماركسية أوروبية تقاتل من أجل نموذج لا هو فرداني ولا جماعي، إنما هو ما ليس الدولة الغربية الحديثة ولا الشيوعية الاستبدادية السوفيتية.

- وهنا تظهر أول معضلة كبرى: ماذا تريدون؟ وصولا إلى هابرماس لم يكن واضحا مرادهم الحقيقي، هذا إذا اعتبرنا مشروع هابرماس عن دولة ما بعد العلمانية واضحا- أيريدون دولة علمانية؟ فما العلمانية التي تريدونها ما صورتها؟ تريدون دولة تحترم الحريات الفردية؟ فماذا في حال طغيان الحريات الفردية على الحقوق الجماعية؟ أظن أنهم لا يقدمون مرادا سوى كائنا هلاميا بلا تفاصيل واضحة.

- هم يعرفون جيدا ما لا يريدونه، لكن يجهلون صفة ما يريدونه.

- حينما حدثت أسلمة لكل هذا، كان الحل الخطابي والمراد هو: "نريد دولة إسلامية!" لجأ الإسلاميون للتاريخ الإسلامي من أجل انتقاء حوادث وهياكل اجتماعية وسياسية تاريخية لجعلها هي (النموذج الإسلامي المطلق) الذي لا يجوز تطويره أو حتى تجاوزه! أضفوا قداسة على بناءات اجتماعية تاريخية محضة كثير منها أوجبوه بلا سند شرعي أصيل! 

- أما إذا قابلناهم بنصوص شرعية وفقهية تدعم ما يصفونه بالدولة الحديثة وسلطاتها، رأينا الصيغة المؤسلمة للفكر التقدمي اليساري النقدي: أن الدولة من (اجتهادات الفقهاء) ويمكن تطويرها وتغييرها! هنا يمكن تطويرها بل يجب، لملاءمة عصرنا! ويصبح قول الفقهاء في إعطاء صلاحيات واسعة للحاكم أفكارا مضى زمانها وغير مقدسة، تقدميون مع ما يخالفهم من الفقه، رجعيون في كل ما يدعم الميول المعادية للدولة من التاريخ!

- مع ملاحظة أن التقدمية عند هؤلاء تلبس لبوس (الاجتهاد) الذي هو في الحقيقة انقلاب كامل ينطلق من أساس تطوري تقدمي في باب صلاحيات الدولة الإسلامية.

- وملاحظة أن الرجعية تلبس لبوس (مدح الدولة الإسلامية الماضية)، وهو في الحقيقة تقديس لهياكل وبناءات تاريخية وتصنيم لها ومنع الاجتهاد فيها لا أكثر.

- فما يجوز فيه الاجتهاد ضيقوه، وما لا يجوز وسعوه! والكل في خدمة مشروع اليسار الإسلامي باسم العداء للدولة العلمانية، وهو في حقيقته عداء لأصل الدولة نفسها!

- أنا شخصيا أتهم بوضوح المسيري وخلية القاهرة الأكاديمية (التحالف الإخواني الأكاديمي) بأنه الرعيل الأول في داهية أسلمة اليسار النقدي، حتى جعلوا شطرا كبيرا من الطرح الإسلامي كأنما هو حاشية مذهبة على الطرح الماركسي! نُشِرت وتنشر حتى اليوم في بعض الدور كتب لا تُعد أكثر من نظريات يوتوبية أو راديكالية، بعضها يقرأ عنها أهل العلوم السياسية في أسطر بداخل كتب نظريات السياسة كأمثلة للشطط والغلو، مثل كتب اليسار الأناركي ونقد مطلق مفهوم الدولة تحت عنوان نقد الدولة الحديثة والعلمانية، فإذ بها قد صارت أساسية في مناهج تعرف المثقف الإسلامي على الدولة!

- فبالتالي صار المثقف الإسلامي يعتقد أنه من المتمكنين في أبواب الفلسفة السياسية المتعلقة بالدولة، وهو في الحقيقة محصور في خلية لا يقرأ إلا منها ولها، ولا يُترجم له إلا ما يدعم روايتها! وهو جاهل ويجهل أنه جاهل! بل ويهاجم من يحاول إفاقته!

- طبعا مع إضفاء طابع القداسة على السلسلة اليسارية التي بدأت بالمسيري، والتي حاول البعض ربطها بكتب الإسلاميين المتقدمين مثل البنا وقطب والمودودي!

- وكل هذا مرده إلى محنة الإسلاميين المستمرة طوال قرن كامل مع الدولة العلمانية العربية، وتعمدها إهانتهم وتهميشهم واضطهادهم ومراقبتهم، فلقي أي نقد يحارب مطلق الدولة الحديثة وسلطاتها صدرا رحبا، فما عرف الإسلاميون الدولة الحديثة إلا علمانية قاهرة مُعذبة، وعليه كإجراء انتقامي أصابوا أنفسهم بفطر اليسار النقدي راغبين، سعداء بما اعتقدوه نقدا متطورا مركبا غير شرعي سلفي عتيق، فإذ بالفطر ينمو سريعا ويسيطر عليهم، ويسوقهم إلى مصير أناركي حتمي!

 كيف نفرق التخذيل والإرجاف من التوصيف الصادق للواقع كما هو؟ - التخذيل والإرجاف ليس له علاقة مباشرة بصدق المعلومة أو كذبها؛ بل متعلق بإظهار ا...